فصل: النوع الثامن‏:‏ معرفة المقطوع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **


*1* النوع الثامن‏:‏ معرفة المقطوع ‏(‏28‏)‏

وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏ ويقال في جمعه‏:‏ المقاطع والمقاطيع‏.‏

وهو‏:‏ ما جاء عن التابعين موقوفاً عليهم من أقوالهم أو أفعالهم‏.‏

قال ‏(‏الخطيب أبو بكر الحافظ‏)‏ في ‏(‏جامعه‏)‏‏:‏ من الحديث المقطوع‏.‏ وقال‏:‏ المقاطع هي الموقوفات على التابعين‏.‏ والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام ‏(‏الإمام الشافعي‏)‏، و‏(‏أبي القاسم الطبراني‏)‏، وغيرهما، والله أعلم‏.‏

*2* تفريعات‏:‏

 أحدها‏:‏ قول الصحابي‏:‏ ‏(‏كنا نفعل كذا، أو كنا نقول كذا‏)‏ إن لم يضفه إلى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من قبيل الموقوف‏.‏ وإن أضافه إلى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالذي قطع به ‏(‏أبو عبد الله بن البيِّع الحافظ‏)‏ وغيره من أهل الحديث وغيرهم‏:‏ أن ذلك من قبيل المرفوع‏.‏

وبلغني عن ‏(‏أبي بكر البرقاني‏)‏‏:‏ أنه سأل ‏(‏أبا بكر الإسماعيلي الإمام‏)‏ عن ذلك، فأنكر كونه من المرفوع‏.‏

والأول هو الذي عليه الاعتماد، لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك أقررهم عليه‏.‏ وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة، فإنها أنواع‏:‏ منها أقواله صلى الله عليه وسلم، ومنها أفعاله‏.‏ ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه‏.‏

ومن هذا القبيل قول الصحابي ‏(‏كنا لا نرى بأساً بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، أو‏:‏ كان يقال كذا وكذا على عهده‏.‏ أو‏:‏ كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم‏)‏

فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند، مخرج في كتب المسانيد‏.‏

‏(‏29‏)‏ وذكر الحاكم أبو عبد الله -فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير - أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسنداً، يعني مرفوعاً، لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وليس بمسند، بل هو موقوف‏.‏

وذكر ‏(‏الخطيب‏)‏ أيضاً نحو ذلك في ‏(‏جامعه‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بل هو مرفوع كما سبق ذكره‏.‏ وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى، لكونه أحرى باطّلاعه صلى الله عليه وسلم عليه‏.‏ والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع، وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه‏.‏ ثم تأوَّلناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظاً، بل هو موقوف لفظاً، وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظاً، وإنما جعلناه مرفوعاً من حيث المعنى‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الثاني‏:‏ قول الصحابي ‏(‏أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا‏)‏ من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم‏.‏ وخالف في ذلك فريق منهم ‏(‏أبو بكر الإسماعيلي‏)‏‏.‏ والأول هو الصحيح، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وهكذا قول الصحابي‏:‏ ‏(‏من السنة كذا‏)‏ فالأصح أنه مسند مرفوع، لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه‏.‏

وكذلك قول أنس رضي الله عنه‏:‏ أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة‏.‏ وسائر ما جانس ذلك‏.‏ فلا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده صلى الله عليه وسلم‏.‏

 الثالث‏:‏ ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك، كقول جابر رضي الله عنه‏:‏ كانت اليهود تقول‏:‏ من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله ‏(‏30‏)‏ عز وجل ‏(‏‏(‏نساؤكم حرث لكم‏)‏‏)‏‏.‏ الآية‏.‏ فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الرابع‏:‏ من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي‏:‏ يرفع الحديث، أو‏:‏ يبلغ به، أو‏:‏ ينميه، أو‏:‏ رواية‏.‏

مثال ذلك‏:‏ سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رواية‏:‏ ‏(‏تقاتلون قوماً صغار الأعين‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

وبه عن أبي هريرة، يبلغ به، قال‏:‏ ‏(‏الناس تبع لقريش‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

‏(‏31‏)‏ فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً‏.‏

قلت‏:‏ وإذا قال الراوي عن التابعي‏:‏ يرفع الحديث، أو‏:‏ يبلغ به، فذلك أيضاً مرفوع، ولكنه مرفوع مرسل‏.‏ والله أعلم‏.‏